]من أجمل ما قرأت عن وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم ما كتبه الأستاذ / عبدالرحمن المباركفوري ، في كتابه الرحيق المختوم ، والذي تقدم به لمسابقة قدمتها رابطة العالم الإسلامي عام 1396 هـ ، فنال الجائزة الأولى وقدرها أربعون ألف ريال ..وكان الفصل الذي تحدث عن وفاة الرسول صلوات الله وسلامه عليه هو من أجمل الفصول ، لذا وبمناسبه هذه الأيام الفاضلة أقدم لكم ذلك الفصل مختصرا .. وعلى جزءين ..1
لما تكاملت الدعوة ، وسيطرر الإسلام على الموقف ، أخذت طلائع التوديع للحياة والأحياء ، فقد اعتكف الرسول صلى الله عليه وسلم في رمضان من السنة العاشرة عشرين يوما ، بينما كان لا يعتكف إلا عشرة ايام فحسب ، وتدارسه جبريل القرآن مرتين .وقال في حجة الوداع : إني لا أدري لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا ، بهذا الموقف ابدا ..وقال عند جمرة العقبة : خذوا مني مناسككم ، فلعلي لا احج بعد عامي هذا ..وأنزلت سورة النصر في أواسط أيام التشريق ، فعرف أنه الوداع ، وأنه نعيت إليه نفسه ..وفي أوائل شهر صفر سنة 11 هـ خرج النبي صلى الله عليه وسلم إلى احد ، فصلى على الشهداء ..وخرج ليلة إلى البقيع فاستعفر لهم ..وفي يوم الاثنين التاسع والعشرين من شهر صفر سنة 11 هـ شهد الرسول صلى الله عليه وسلم جنازة في البقيع ، وفي طريق عودته أخذه صداع في رأسه ، واتقدت حرارته .وصلى النبي عليه السلام بالناس وهو مريض 11 يوما وجميع أيام المرض كانت 13 أو 14 يوما ..وثقل برسول الله صلى الله عليه وسلم المرض فجعل يسأل ازواجه : أين أنا غدا ؟ أين أنا غدا ؟ ففهمن مراده ، فأذنَّ له يكون حيث شاء ، فانتقل إلى عائشة رضي الله عنها يمشي بين الفضل بن عباس وعلي بن ابي طالب رضي الله عنهما ، عاصبا رأسه تخط قدماه حتى دخل بيتها ، فقضى عندها آخر أسبوع من حياته ، وكانت عائشة تقرأ بالمعوذات والأدعية التي حفظتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم .وفي يوم الأربعاء قبل خمسة أيام من الوفاة اتقدت حرارة العلة في بدنه ، فاشتد به الوجع وغمي ، فقال : هريقوا علي سبع قرب من آبار شتى ، حتى أخرج إلى الناس ، فأعهد إليهم ، فأقعدوه في مخضب ، وصبوا عليه الماء ، حتى طفق يقول : حسبكم .. حسبكم .وعند ذلك أحس بخفة فدخل المسجد وهو معصوب الرأس حتى جلس على المنبر وخطب الناس والناس مجتمعون حوله ، فقال :( قاتل الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد .. لا تتخذوا قبري وثنا يعبد ) .ثم قال : ( من كنت جلدت له ظهرا فهذا ظهري فليستقد منه ، ومن كنت قد شتمت له عرضا فهذا عرضي فليستقد منه ) .ثم نزل فصلى الظهر ثم رجع وجلس على المنبر وعاد إلى مقالته الأولى في الشحناء وغيرها ، فقال رجل : إن لي عندك ثلاثة دراهم فقال : أعطه يا فضل ، ثم أوصى بالأنصار خيرا ..2
وفي يوم الأحد قبل يوم من وفاته أعتق النبي عليه السلام غلمانه ، وتصدق بسبعة دنانير كانت عنده ، ووهب للمسلمين اسلحته ، وفي الليل استعارت عائشة الزيت للمصباح من جارتها ، وكانت درعه مرهونة عند يهودي بثلاثين صاعا من الشعير.
اليوم الأخير ..
بينما المسلمون في صلاة الفجر ليوم الاثنين وأبو بكر يصلي بهم إذ تفاجأوا بالرسول صلى الله عليه وسلم يكشف ستر حجرة عائشة رضي الله عنهما وينظر إليهم ، وهم في صفوف الصلاة ، ثم تبسم يضحك، فتراجع ابو بكر على عقبيه وظن أن الرسول صلى الله عليه وسلم يريد أن يخرج ليصلي بالناس .
يقول أنس بن مالك رضي الله عنه : ( وهم الناس أن يفتنوا في صلاتهم ، فرحا برسول الله صلى الله عليه وسلم ، فاشار لهم عليه السلام أن أتموا صلاتكم .. ثم دخل الحجرة وأرخى الستر ) .
ولما ارتفع وقت الضحى دعا النبي صلى الله عليه وسلم فاطمة فسارها بشيء فبكت ، ثم دعاها فسارها بشيء فضجكت ، قالت عائشة : فسألنا عن ذلك - أي فيما بعد - فقالت : سارني النبي صلى الله عليه وسلم أنه يقبض في وجعه الذي توفي فيه فبكيت ، ثم سارني فأخبرني أني أول أهله يتبعه فضحكت .
وبشر الرسول صلى الله عليه وسلم فاطمة بأنها سيدة نساء العالمين .
ورأت فاطمة ما برسول الله صلى الله عليه وسلم من الكرب الشديد الذي يتغشاه فقالت : واكرب أباه .. فقال لها : ليس على أبيك كرب بعد اليوم .
ودعا الحسن والحسين فقبلهما وأوصى بهما خيرا ودعا أزواجه فوعظهن وذكرهن.
وأوصى الناس قائلا : الصلاة الصلاة وماملكت أيمانكم .. وكرر ذلك مرارا .
وبدأ الاحتضار فأسندته عائشة إليها ، وأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : لا إله إلا الله .. إن للموت سكرات ..
وما إن فرغ من السواك حتى رفع يده أو اصبعه وشخص بصره نحو السقف ، وتحركت شفتاه فأصغت إليه عائشة وهو يقول : مع الذين أنعمت عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين ، اللهم اغفر لي وارحمني ، وألحقني بالرفيق الأعلى ، اللهم الرفيق الأعلى .
وقالت فاطمة : يا أبتاه أجاب ربا دعاه ، يا أبتاه من جنة الفردوس مأواه ، يا أبتاه إلى جبريل ننعاه .
وأصاب المدينة حزن عظيم بموته صلى الله عليه وسلم.[/size]
[/b][/quote]